بمناسبة الذكرى التاسعة والعشرين لقيام مجلس التعاون
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأمانة العامة – الرياض :
احتفلت الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية مساء اليوم الثلاثاء 25/5/2010م ، بذكرى مرور 29عاما على قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، برعاية صاحب السمو الملكي الأمير سطام بن عبدالعزيز، نائب أمير منطقة الرياض ، وبحضور عدد من كبار المسئولين بالمملكة العربية السعودية وأعضاء السلك الدبلوماسي الخليجي والعربي والدول الصديقة المعتمدين لدى المملكة العربية السعودية بالرياض .
﴿وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورســـوله والمؤمنون﴾
صدق الله العظيم
أصحاب السمو ، أصحاب المعالي والسعادة ، الحضور الكرام ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، يسرني أن أرحب بكم بمقر الأمانة العامة في ذكرى انطلاقة المسيرة المباركة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية ، ففي مثل هذا اليوم قبل تسعة وعشرين عاماً بزغ فجرٌ جديدٌ على هذه المنطقة فاتحاً آمالاً كباراً لأهل الخليج . ويشرفني بهذه المناسبة أن أرفع أسمى عبارات التهنئة إلى مقام أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون ، والتهنئة موصولة إلى شعوب دول المجلس.
والمتتبع لمسيرة مجلس التعاون يدرك الحكمة والعزيمة التي يتحلى بها أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون في رعايتهم ودعمهم لمسيرة المجلس منذ انطلاقتها الأولى في مايو 1981 ، وحرصهم ، حفظهم الله على حمايتها من المعوقات والتحديات التي اعترضتها في مختلف المراحل.
وإذ تحتفي اليوم بالذكرى السنوية التاسعة والعشرين لتأسيس هذا الكيان الشامخ ، وقد تجاوز مرحلة التنسيق إلى مرحلة التكامل ، فإنه يمكننا القول بأن مجلس التعاون أصبح اليوم أكثر تماسكاً من أي وقت مضى ، حيث تشابكت مصالح دوله وشعوبه ، وتوثقت عرى الروابط بينهم ، حتى أصبح المجلس بمؤسساته وإنجازاته شأناً يومياً للمسئول والمواطن في الدول الأعضاء ، كما أن المسيرة ذاتها قد صقلتها التجربة والخبرة.
ومع إكمال المجلس عقده الثالث فإنه غدا تجمعاً فاعلاً بمصداقية عاليه وثقل إستراتيجي ، إقليمياً ودولياً ، يتعامل مع العالم انطلاقاً من أسس وثوابت حسن الجوار ، وعدم التدخل في الشئون الداخلية ، وحل النزاعات بالطرق السلمية ، ودعم القضايا العربية والإسلامية ، وتعزيز العلاقات مع الدول والمجموعات الدولية ، وهذه سياسة تعتمد على التفاعل الإيجابي مع القضايا الدولية ، وهي موضع احترام الأسرة الدولية ، وقد أضافت الكثير إلى رصيد المجلس من المكانة العالمية.
الحضور الكرام
تتبنى دول المجلس مواقف موحّدة تجاه العديد من القضايا السياسية ، فهي تدعم حق السيادة لدولة الإمارات العربية المتحدة على جزرها الثلاث المحتلة ، طنب الكبرى ، طنب الصغرى ، وأبو موسى ، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من دولـة الإمارات العربية المتحدة ، ودعت الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى الاستجابة لمساعي دولة الإمارات والمجتمع الدولي لحل هذا الخلاف عن طريق التفاوض المباشر أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية.
وفيما يتعلق بأزمة الملف النووي الإيراني ، فإن دول المجلس تؤكد على أهمية الالتزام بمبادئ الشرعية الدولية ، وتدعو إلى ضرورة التوصل إلى حل سلمي للملف النووي الإيراني ، مع الإقرار بحق دول المنطقة في امتلاك الخبرة في مجال الطاقة النووية للأغراض السلمية وتحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية . كما تدعو إلى جعل منطقة الشرق الأوسط ، بما فيها منطقة الخليج ، خالية من كافة أسلحة الدمار الشامل ، وتطالب إسرائيل بالانضمام إلى معاهدة عدم الانتشار النووي.
وفي الشأن العراقي ، تدعو دول المجلس الأشقاء العراقيين إلى الإسراع في تشكيل حكومة وحدة وطنية ، تحفظ للعراق الشقيق أمنه واستقلاله ، ووحدة ترابه ، وهويته العربية ، وتبعد عنه التدخلات الخارجية . ونحن نتطلع إلى أن يستعيد العراق الشقيق عافيته واستقراره.
أما فيما يتصل بالقضية الفلسطينية والسلام في الشرق الأوسط ، فإن دول مجلس التعاون تكرس جهودها لدعم حق الشعب الفلسطيني في المحافل الإقليمية والدولية لإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف ، وتدين سياسة الاستيطان الإسرائيلية . وانطلاقاً من دعمها للسلام كخيار إستراتيجي عربي ، فإن دول المجلس تدعم المبادرات الرامية لإيجاد حل عادل وشامل للصراع العربي الإسرائيلي ، وعلى رأسها مبادرة السلام العربية ، التي أقرتها القمة العربية في بيروت عام 2002م.
وعلى الساحة الدولية أجرت دول المجلس خلال السنوات الماضية العديد من الحوارات الهامة مع المجموعات الإقليمية والدولية وعلى رأسها الإتحاد الأوربي ، كما أجرت حواراً إستراتيجياً مع الجمهورية التركية ، وروسيا الاتحادية ، وهي بصدد بدء حوار استراتيجي مع أستراليا.
وفي المجال التشريعي والعدل ، تم اعتماد عدد من القوانين (الأنظمة) في مجالات الأحول الشخصية والمدنية والجزائية ، والمرافعات ، والمحاماة ، والتسجيل العقاري والإثبات ورعاية أموال القاصرين ، والتوفيق والمصالحة وغيرها من الوثائق التي أقرّها المجلس الأعلى.
أما في المجال الاقتصادي ، فلقد عملت دول المجلس على تطبيق بنود الإتحاد الجمركي الذي أقامته في مطلع يناير 2003م مما كان له الأثر الكبير في زيادة معدلات التجارة البينية بمعدل نمو سنوي بلغ 27% خلال السنوات الست التي تلت قيام الإتحاد ، مقارنة بمعدل نمو سنوي بلغ 4,6% خلال السنوات العشر السابقة لقيام الاتحاد ، وتلك زيادة فاقت توقعاتنا في الأمانة العامة . وفي قمة الدوحة 2007م ، تم الإعلان عن قيام السوق الخليجية المشتركة بمساراتها العشرة ، لتعمق المواطنة الاقتصادية بين دول المجلس وتضعها في إطار تشريعي شامل ، بما يحقق المساواة في التنقل والإقامة والعمل والتملك ومزاولة الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية والخدمية ، ومعاملة مواطني دول المجلس في كافة المجالات الاقتصادية ، في أي دولة عضو ، معاملة مواطنيها دون تفريق أو تمييز.
وفي مجال الطاقة والربط الكهربائي دشّن أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس ، حفظهم الله ورعاهم ، في قمتهم الأخيرة بدولة الكويت مشروع الربط الكهربائي لدول المجلس ، وهو احد أهم مشاريع التكامل الكبرى التي أنجزها المجلس.
كما اعتمد المجلس الأعلى لمجلس التعاون في قمة الكويت الأخيرة استكمال الدراسات الخاصة بمشروع سكة حديد دول مجلس التعاون ، وإنشاء هيئة خليجية للإشراف على تنفيذ المشروع ، ووجّه لجنة وزراء النقل والمواصلات بتكثيف الجهود لانجاز المشروع.
كما سارعت دول المجلس إلى التحرك جماعياً والتنسيق فيما بينها لتدارك تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية من خلال تداول المجلس الأعلى في قمة الكويت الآثار الناجمة عن الأزمة والإعراب عن ثقته بمتانة الاقتصاد الخليجي.
وفيما يتعلق بمشروع استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية ، فلقد قرر المجلس الأعلى في دورته الثلاثين في قمة الكويت تفعيل نتائج الاجتماعات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بهذا الخصوص ، تحقيقاً للأهداف المرسومة لهذا المشروع الحيوي الهام ، وتنمية خطط العمل لهذا العام.
وفي مجال التعاون الأمني ، حققت دول المجلس من الانجازات ما يشمل مختلف القطاعات ، وهي نتاج اجتماعات ولقاءات أصحاب السمو والمعالي وزراء الداخلية ، وسعيهم الحثيث للتكامل الأمني ، وتشمل تلك الانجازات تحديث وتطوير الإستراتيجية الأمنية الشاملة في العام 2008 ، وإنشاء لجنة التخطيط الإستراتيجي ، والتوقيع على اتفاقية مكافحة الإرهاب ، واعتماد النظام الأساسي لمركز المعلومات الجنائية لمكافحة المخدرات ، كما تم تشكيل لجنة تعنى بالإعلام الأمني لنشر الوعي بين كافة شرائح المجتمع.
وحماية للمنجزات الاقتصادية وبالأخص في المجال الصناعي ، اعتمد المجلس الأعلى في دورته الرابعة والعشرين ، التي عقدت في عام 2003م بدولة الكويت ، النظام الموحد لمكافحة الإغراق والتدابير التعويضية والوقائية لدول المجلس كقانون إلزامي حفاظاً على الصناعات المحلية من الممارسات الضارة في التجارة الدوليـة في ظل التوجهات العالمية لمنظمة التجارة العالمية ، وانفتاح الأسواق ، والحرية الاقتصادية ، وحماية المكتسبات التي تحققت للصناعات الخليجية ، ودعم موقعها التصديري في خارطة التجارة الدولية.
لقد أصبح مجلس التعاون قوة تفاوضية قادرة على إيجاد شروط أفضل وظروف متكافئة في التعامل الاقتصادي الدولي ، وبالفعل توصلت دول المجلس في يونيو 2009 إلى توقيع اتفاقية التجارة الحرة مع رابطة التجارة الحرة الأوربية والتي تضم كل من سويسرا والنرويج وأيسلندا وليختنشتاين ، وكذلك التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاقية التجارة الحرة بين دول المجلس ونيوزلندا في أكتوبر 2009 . كما حققت مفاوضات التجارة الحرة تقدماً ملموساً مع كل من أستراليا وكوريا واليابان والصين ومجموعة ميركوسور في أمريكا الجنوبية.
أما فيما يتعلق بمفاوضات التجارة الحرة مع الاتحاد الأوربي ، ونظراً لعدم حدوث أي تقدم لتمسك الجانب الأوربي بمواقفه السابقة ، فلقد قامت دول المجلس بتعليق المفاوضات . ويتواصل التعاون مع الجانب الأوربي في إطار تنفيذ الاتفاقية الإطارية لعام 1988 . ولقد عقد الاجتماع الوزاري المشترك تسعة عشر اجتماعاً حتى الآن.
وفيما يتعلق بمستجدات التعاون مع الجمهورية اليمنية الشقيقة ، فقد تم عقد الاجتماع الوزاري المشترك الرابع بين وزراء خارجية دول مجلس التعاون والجمهورية اليمنية في مقر الأمانة العامة ، وتم الاتفاق فيه على عدد من الخطوات لتعزيز التعاون بين الجانبين في جميع المجالات . وكما هو معلوم ، فإن اليمن قد انضم إلى عدد من مؤسسات مجلس التعاون.
وفي إطار تطوير التعاون في مجال براءات الاختراع وحقوق الملكية الفكرية يواصل مكتب براءات الاختراع الوفاء بالتزاماته وواجباته باستقبال طلبات براءات الاختراع وفحصها ، وهي في نمو مطرد.
وفي مجال الإنسان والبيئة ، فإنه لابد من التوقف بكثير من التقدير والإجلال أمام المبادرة الكريمة لصاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد ، حفظه الله ، بتخصيص جائزة في مجال الإنسان والبيئة ، وهو ما يعبر عن اهتمام جلالته بالعمل المشترك ، ويؤكد في الوقت ذاته أهمية الالتفات إلى الأعمال الإنسانية والبيئية.
ولقد أقرّ المجلس الأعلى في قمته قمة 2008م في مسقط الإستراتيجية الثقافية لدول مجلس التعاون ، التي تتركز على تطوير خطط التنمية الثقافية بمفهومها الشامل ، والتي سبق أن أقرها المجلس في دورته الثانية منذ عقدين من الزمن ، إن تفعيلها في هذه المرحلة سينطلق بالعمل الثقافي إلى مجالات أرحب وآفاق أوسع مستوعباً المستجدات والمتغيرات خلال العقدين الماضيين ، ومسهماً في التشكل الثقافي والمعرفي وإغناء الشخصية الحضارية للإنسان الخليجي ، مع الحفاظ على ثوابتنا وقيمنا وهويتنا العربية الإسلامية ، وبموازاة ذلك فإن مسار التعليم سيتبنى نفس المنحى من حيث التطوير والتحسين والجودة والتوسع في مجالات التعليم الفني والتقني للإيفاء بما تمثله هذه المجالات من أهمية قصوى للتنمية الشاملة لدول المجلس.
ويدعم المجلس العمل الشبابي من خلال المعسكرات الشبابية والمهرجانات المسرحية والملتقيات العلمية . كما فُتِحت آفاق رحبة أمام القوى العاملة الوطنية من خلال تشريعات المواطنة ومدّ الحماية التأمينية لمواطني دول المجلس العاملين في غير دولهم ، وتحقيق المساواة بعد التوظيف ، ومعاملتهم معاملة المواطنين في القطاعين العام والخاص . أما في المجال الاجتماعي ، فقد تم انجاز الدراسات الخاصة بالطفولة والضمان الاجتماعي ، ودور المرأة الاقتصادي والاجتماعي والأسري ، والخطة الإستراتيجية لذوي الاحتياجات الخاصة ، وإشهار العديد من الجمعيات الأهلية بالتنسيق مع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الشئون الاجتماعية والعمل بدول المجلس.
وفي مجال التنسيق العسكري حظي التعاون في مجالات الشؤون العسكرية باهتمام دائم ومستمر من لدن أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس منذ بداية المسيرة المباركة انطلاقاً من القناعة الراسخة بوحدة المصير ، حيث تمكنت دول المجلس من تحقيق العديد من الإنجازات وعلى رأسها اتفاقية الدفاع المشترك وتشكيل قوات درع الجزيرة.
وفي المجال الإعلامي سعت الأمانة العامة إلى تفعيل العمل الإعلامي المشترك ليتواكب مع ما يشهده العالم من تطور ، وسائل الاتصال ، بوضع أنظمة تراعي الأهداف الأساسية لمجلس التعاون في مجالات الإذاعة والتلفزيون والصحافة ووكالات الأنباء والمطبوعات والإعلام الخارجي وتحقيق المواطنة في العمل الإعلامي.
وأقرّ المجلس الأعلى في دورته التاسعة والعشرين ، التي عقدت في مسقط في ديسمبر 2008م . إستراتيجية العمل الإعلامي المشترك على مدى السـنوات العشر القادمة . كما اعتمد المجلس الوزاري التحرك الإعلامي الخارجي للسنوات العشر القادمة لتنفيذ أيام مجلس التعاون في أوروبا وآسيا وأستراليا ، بعد نجاح فعاليات أيام مجلس التعاون في باريس 2004م ، وبروكسل 2005م ، وبرلين 2006م ، ولاهاي 2007م ، ومدريد 2008م ، ورما 2009م ، وسوف تقام الفعاليات في مدينة لندن في شهر أكتوبر من هذا العام ، ويشارك في هذه الفعاليات الأمين العام لمجلس التعاون ، ونخبةٌ من الأكاديميين والاقتصاديين بدول المجلس ونظرائهم الأوربيين.
وأخيراً لا يسعني إلا أن أتقدم بالشكر الجزيل لحضوركم الكريم ومشاركتكم لنا هذه المناسبة الهامة ، كما أتقدم بالشكر والتقدير لوسائل الإعلام الخليجية والعربية والعالمية على هذا الحضور وهذا الاهتمام ، والشكر موصول إلى هذه النخبة من الكتاب والمفكرين ورجال الصحافة والإعلام.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،،